السعودية واقتصاد المعرفة - 29 يونيو 2013
2021-09-28 589
قبل أشهرٍ حَذَّرَ تقريرٌ صادر عن المجلس البريطاني لأبحاث الطاقة من بلوغ الإنتاج التقليدي للنفط أعلى مستوى ممكن له، وبَدْءِ انخفاضه بحلول عام 2020.
وكَتَب الاقتصاديُّ الشهير (مات سيمُنْز ) يؤكد بأن آبار النفط في دول الخليج قد بلغت ذروة إنتاجها، وفي طريقها إلى النضوب .
وبغضِّ النظر عن الجدل الشديد الذي دار حول صحةِ توقيت (نضوب) النفط، إلاّ أن عاقلاً لا يشكُّ في أنّ النفطَ – كسائر المعادنِ والثرواتِ - سلعةٌ ناضبةٌ بالنهاية، وسيصحو العالمُ ذات يوم قريب أو بعيد وليس في الدنيا نفط.
هذه (الحقيقة) تدفعُ العالم دفعاً إلى البحث عن اقتصادياتٍ دائمةٍ غير ناضبةٍ، وأغنى هذه الاقتصاديات هي : اقتصاديات المعرفة التي تقومُ على المعلومةِ بيعاً وتطويراً وتفعيلاً.
وميزة المعلومة أنها لاتنضب، كما أنّها قابلة للبيعِ عشراتِ المراتِ، وبالتالي فإنّ أي اقتصادٍ قائمٍ على المعرفةِ هو اقتصادٌ متجددٌ نامٍ، قد يُغني عن غيره، ولا يُغني عنه غيرُه.
والوعيُ باقتصادِ المعرفةِ، والإدراك لأهميته يلحظُهُ كلُّ من يتابعُ توجهاتِ هذه البلادِ المباركةِ بقيادةِ سيّدي خادمِ الحرمين الشريفين حفظه الله ومتّع به، فقد أعدّتِ المملكةُ استراتيجيةً للتحولِ إلى الاقتصادِ المعرفــيِّ تجعلُ من المملكةِ منافسًا دوليًا بحلولِ 1444 هـ.
ومزيةُ المملكةِ في هذا السياق أنها تملكُ الإرادةَ والإمكان.
فهناك إرادةٌ سياسيةٌ عليا لتحوُّلٍ نوعيٍّ نحو الاقتصاد المعرفيّ تجلتْ في عدةِ صورٍ، من أهمها الخطة الاستراتيجية التي سبقتِ الإشارةُ إليها.
إضافةً إلى إنشاء العديد من المؤسساتِ والهيئاتِ التي تُعنى وعلى رأسها مدينة الملك عبدالعزيز للتقنية، الحاضنةُ الكبرى في المملكة للمنتجاتِ المعرفية، والراسمةُ الأولى لسياسات الملكية الفكرية والابتكار.
ومن هذه الصور أيضاً اقتحام الجامعاتِ لميدانِ الاقتصاد المعرفيّ، من خلال أوديةِ التقنية، ووكالاتِ الإبداع، ومعاهد الريادةِ، وحاضنات الأعمال، وقد قدمتْ بعض الجامعات السعودية في هذا الباب نموذجاً رائداً مكّنها من تحقيق إنجازات مميزة على مستوى براءات الاختراع، ومشاريع الجامعات الريادية.
كل تلك صورٌ تدلُّ على صدقِ الإرادة .. إرادة التحول إلى الاقتصاد المعرفيّ غير الناضبِ.
وفي مقابل هذه الإرادة الجادة هناك إمكانات مميزةٌ كذلك ..
وأعظمُ هذه الإمكانات التي تختزنها المملكة : الطاقة البشرية.
إن 79 % من سكان المملكة أعمارهم ما بين 19 و21 سنة، وهذه ميزة تفتقدها أغلب الدول الاقتصادية المتقدمة، ميزةٌ تجعلُ صناعة المعرفة على يد هذا الجيل الشاب تبشّرُ بالكثير، ولا سيما مع برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي فجّر الآلاف من الطاقات المعرفية الشابة.
أضف إلى ذلك أن هذه البلاد المباركة تحتضن الحرمين الشريفين اللذين هما مهوى أفئدة المؤمنين، وإليهما يفد كل عام مئاتٌ من عمالقةِ العلم، ورؤوس المعرفة، يأتي هؤلاء وكلهم حبٌّ لمكةَ وأهلها ودولتِها، يأتون وهم راغبون في العطاء والإسهام المعرفيّ لصالح هذه البقعة المقدسة.
هناك إذن رصيدٌ بشريٌّ لا يتفق لأي دولة أخرى.
ومع هذا تزخر المملكة بحمد الله بثرواتٍ ضخمةٍ تجعلُ الحلم بإذن الله واقعاً، وتستطيع أن تذلل الصعاب، وتتجاوز العقبات. ونظرةٌ عجلى في ميزانية هذا العام تكشفُ لك حقيقة ما أقول.
لستُ هنا في مقامِ مدحٍ وإطراءٍ .. ولكنني في مقامِ كشفٍ وبيانٍ، ثم في مقام تشجيع وتحفيزٍ.
إننا – في المملكة العربية السعودية - مقبلون بهمٍّ وهمةٍ على مرحلةٍ اقتصادية مبشرةٍ شعارُها: المعرفة ..
فما الإسهام الذي سيقدّمه كل واحدٍ منا؟